Recent Post



تعتبر مشكلة الصحراء المغربية من أعقد المشاكل التي واجهها المجتمع الدولي والتي ظلت تراوح مكانها مدة تزيد على ثلاثين عاما... وقد عادت هذه المشكلة من جديد لتحتل واجهة الأحداث العالمية وتستحوذ على قدر متزايد من الاهتمام السياسي والإعلامي بعد المبادرة الجريئة التي تقدم بها المغرب إلى الأمم المتحدة والمتمثلة في منح حكم ذاتي موسع لسكان الأقاليم الصحراوية وهذه المبادرة رأت فيها العديد من دول العالم ـ باستثناء الجزائر وجبهة البوليساريو ـ حلا واقعيا يمكن أن يؤدي إلى فض النزاع الدائر بين الإخوة الأشقاء... نزاع دام أكثر من ثلاثين عاما دون أن يجد له حلا ممّا ترتب عنه مآسٍ إنسانية واجتماعية كثيرة كانت عائقا أمام مسيرة التنمية في المنطقة بأكملها.

كما يرجح ان يتزايد هذا الاهتمام خلال الأيام القادمة و التي حددها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد بان كي مون للبدئ في اجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" وذلك بناءا على القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي رقم ( 1745) والذي دعا كلا من المغرب و جبهة " البوليساريو" الى التفاوض المباشر بدون شروط تحت اشراف المنظمة الدولية . ومما لاشك فيه أن فهم هذا الصراع المرير الدائر في هذه المنطقة العربية ووضعه في سياقه التاريخي والسياسي الصحيح، يكتسي أهمية بالغة ، خاصة وأن الإعلام لا يزال يتميز بشحّ في تناول القضايا السيادية وبخاصة موضوع النزاع في الصحراء المغربية. وهذا ما يفرض علينا إلقاء الضوء على أهم العوامل التي جعلت من هذا الإقليم منطقة نزاع، أي لابدّ من التطرق إلى موقع الإقليم الجغرافي وأهميته الاستراتيجية والاقتصادية وكذلك محاولة توضيح الخلفية التاريخية للمشكلة باعتبارها امتدادا لعوامل تاريخية.
أولاـ الخلفية الجغرافية:
يمتدّ إقليم الصحراء المغربية على مساحة تقدر بنحو 265 ألف كلم مربع من الأراضي الصحراوية داخل منطقة عرضها 460 كم وطولها 1200 كلم وينقسم الإقليم إلى منطقتين رئيسيتين، هما:
ـ أ ـ منطقة الساقية الحمراء في الشمال وعاصمتها العيون بمساحة تقدر بـ 82000 كلم مربع.
ب ـ منطقة واد الدهب في الجنوب وعاصمتها الداخلة بمساحة تقدر بـ 184000 كلم مربع.
ومن مزايا هذا الإقليم:
1. تعتبر مدن "العيون"، و" الداخلة" و" السمارة" من المدن الرئيسية في الإقليم.
2. يقدّر عدد سكان الإقليم بحوالي 380 ألف نسمة معظمهم من السكان العرب المسلمين.
3. تتميز الصحراء المغربية بمناخ معتدل كونها محاذية للساحل الأطلسي إلا أنّ مناخها الداخلي صحراوي قارس حيث تصل درجة حرارته ليلا إلى ما دون الصفر، ونهارا إلى 51 درجة.
4. تعاني الصحراء من شحّ الأمطار حيث إنّ معدلها الطبيعي هو 43 ملم في العيون، و45 ملم في الداخلة، و45 ملم في الكويرة.
ثانيا ـ الموارد الاقتصادية:
1ـ الثروة الحيوانية : تتركز الثروة الحيوانية في المنطقتين الشمالية والوسطى. ففي المنطقة الشمالية (كليميم ـ السمارة) يبلغ عدد الماعز 380000 رأسا ثم تليها الأغنام البالغ عددها 320000 رأسا ثم الجمال البالغ عددها 33600 رأس.
أما المنطقة الوسطى ( العيون ـ الساقية الحمراء) فيبلغ عدد الجمال فيها 89500 رأس، ويبلغ عدد الماعز 193000 رأسا ثم تليها الأغنام البالغ عددها 120300 رأسا... هذه الثروة الحيوانية تعد إحدى أهم الثروات التي توفر مصدر عيش للسكان الذين ألفوها منذ قرون عديدة رغم شحّ البيئة وجفافها المتفاقم.
2ـ الثروة السمكية: يبلغ طول السواحل الصحراوية 1400 كلم، وتوفر طاقة إنتاجية تقدر بحوالي مليون طن من الأسماك سنويا توزع على 200 نوع من الأسماك و60 نوعا من الرخويات وإضافة إلى العشرات من أنواع القشريات وراسيات الأرجل.
وتعد موانئ العيون وبوجدور وطرفاية من أهم موانئ الصيد البحري على السواحل الصحراوية حيث تضم العديد من التجهيزات المرتبطة بعمليات الصيد، والمئات من وحدات معالجة المنتجات البحرية وتصنيعها وتبريدها وتخزينها كما تستقبل المئات من سفن الصيد.
3ـ الثروة المعدنية : لم يكن لإقليم الصحراء المغربية في الماضي أهمية تذكر حتى العام 1965م إذ حدث تطور جديد منح هذه المنطقة أهمية خاصة باكتشاف مواد أولية ذات أهمية اقتصادية قلبت الموازين، وجعلت المعادلة في هذه المنطقة تتغير وتتبدل، ومن ذلك:
الفوسفاط: يوجد بالمنطقة احتياطي مهم من الفوسفاط، ويرتكز في منجمي بوكراع وتشلة ويمتاز هذا الفوسفاط بنوعية وجودة عالية.
البترول والغاز: بدأت عمليات التنقيب عن البترول والغاز في الصحراء الغربية منذ العام 1961م بواسطة اثنتي عشرة شركة تنقيب لكن ونتيجة لارتفاع تكاليف التنقيب طرأ تباطؤ على عمليات التنقيب إلا أنّ الدراسات الجيولوجية لا تستبعد وجود مخزون هام من الغاز والبترول في سواحل الصحراء الغربية، علما أنّ جهود التنقيب لم تظهر حتى الآن نتائج ايجابية في هذا الصدد، وقد عمد المغرب إلى توقيع اتفاقيتين للتنقيب عن البترول مع شركتي " توتال فينا الف" و " كيرمالك غي كروب" الأمريكية في العام 2001م. معادن أخرى: أدت جهود التنقيب عن المعادن إلى اكتشاف عدد من خامات المعادن مثل خامات النحاس والمنغنيز والحديد والرخام إذ تشكل أهم الموارد المعدنية المكتشفة في الصحراء المغربية بعد الفوسفاط وإن لم يتم استغلالها بعد .
الملح: تحتوي منطقة الصحراء المغربية على عشر سبخات تشكل خزانات ضخمة للملح يتم استغلالها بالطرق التقليدية حتى الآن... ويقدر إنتاج المنطقة من الملح بحوالي 20000 طن سنويا موفّرة بذلك فرص عمل موسمية لحوالي 5000 عامل .
4 ـ التجارة : يعتبر قطاع التجارة من أكثر القطاعات جذبا للعمالة وهو نشاط تقليدي من الأنشطة التي مارسها أهل الصحراء منذ القدم حيث كانت المنطقة تشكل معبرا للقوافل القادمة من المغرب المتجهة نحو جنوب الصحراء الكبرى..
ورغم اختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية اليوم عن الوضع السابق فإن الصحراويين ما زالوا مولعين بأعمال التجارة حيث يعمل بهذا القطاع حوالي 25% من مجموع السكان الناشطين اقتصاديا.
ثالثا ـ الخلفية التاريخية:
أ ـ القبائل التي سكنت الصحراء: كانت منطقة الصحراء المغربية قبل مؤتمر " برلين " مرتعا يجوبه الرعاة بحثا عن المرعى منذ آلاف السنين ثم اعتمرها الصنهاجيون الذين ينحدرون من القبائل الأمازيغية ( البربرية ) قبل أن يلتحق بهم عرب بني معقل الذين استقروا أصلا بالساقية الحمراء وقد عرفوا باسم بني منصور ثم اختلط بهم فيما بعد بنو حسان وأولاد أبي السبع...
ويرجح بعض المؤرخين تاريخ دخول الصنهاجيين إلى الصحراء المغربية إلى القرن الثاني بعد الميلاد حيث أتوا إلى الصحراء بحثا عن مأوى آمن... وفي القرن الثالث بعد الميلاد سيطرت صنهاجة على كامل التراب الصحراوي حتى تخوم السنيغال والسودان ويرجع لهم الفضل في تأسيس عدد من المراكز الحضارية في الصحراء .
وقد كانت منطقة الصحراء المغربية من أوائل المناطق التي اعتنقت الإسلام على يد عقبة بن نافع الفهري... فخلال الفترة من عام 681 ـ 683 م قام عقبة بن نافع بحملة كبيرة اقتحم فيها مناطق البربر في جبال الأورا س حتى وصل مدينة طنجة في الشمال المغربي وتقدم جنوبا حتى دخل مدينة تارودانت وعبر نهر سوس وبلغ الشاطئ الأطلسي حيث نهاية بلاد المغرب ..
وبعد استشهاده عام 683م تمكن موسى بن نصير من استكمال فتح المغرب حيث وصل بلاد سوس وأنشأ بها ولاية سجلماسة .. وقد استمر فتح المغرب زهاء سبعون عاما بدل خلالها العرب المسلمون جهودا كبيرة لنشر الاسلام في هذه البقاع و انضم برابرة المغرب عن بكرة أبيهم الى الاسلام ..
وقد شيد العرب الفاتحون طرق المواصلات التي مكنت قوافل المسلمين من الانسياب الى مجاهل القارة الافريقية ونشر الدعوة الاسلامية .
و في القرن التاسع الميلادي وصلت قبائل الحساسنة العربية إلى الصحراء المغربية في مهمة إعادة تثبيت الإسلام في المنطقة بعد أن ارتدّ أهلها الذين كانوا قد اسلموا على يد عقبة بن نافع وموسى بن نصير.
كما لا ننسى أن القائد المسلم طارق بن زياد خرج من هذه مناطق ليطيح بمملكة ازريق، ويقيم على أنقاضها نظاما إسلاميا في شبه الجزيرة الإيبيرية.
خلال الفترة 1056 ـ 1146م أنشأ الصنهاجيون ، وهم قبائل أمازيغية مغربية كما أسلف ذكره، الدولة المرابطية في الصحراء الفاصلة بين المغرب وحوض السنغال وقد توسع المرابطون وتوجهوا شمالا حيث أسسوا مملكة ضمت المغرب بأكمله واتخذوا مراكش عاصمة لدولتهم..
ومن الصنهاجيين الذين أسسوا الدولة المرابطية ينحد القائد المرابطي المسلم يوسف بن تاشفين الذي خرج من مناطق الصحراء لينقذ سلطة المعتمد بن عباد، ونتج عن ذلك تأخير سقوط الأندلس أكثر من أربعة قرون...
بانهيار دولة المرابطين بدا قيام دولة الموحدين التي مر تأسيسها بعدة مراحل بدأت بالسيطرة على مراكش عام 1145 وانتهت بالسيطرة على ولاية افريقية وطرابلس عام 1160..
وبعد أن بدأ الصدع يحدق بالدولة الموحدية، تمكنت الدولة المرينية من بسط سلطانها على شمال المغرب كله حتى مدينتي سبتة وطنجة وانقسم بذلك المغرب الى أربعة دويلات هي :
ـ دولة الموحدين في جنوب المغرب وعاصمتها مراكش
ـ دولة بني مرين في شمال المغرب وعاصمتها فاس
ـ دولة بني زياد في شرق المغرب وعاصمتها تلمسان
ـ الدولة الحفصية في ولاية افريقية
لم يتوقف الاقتتال بين دويلات المغرب الأربعة خلال القرن الرابع عشر مما أدى الى اضعاف هذه الدويلات وتكالب قوى الاستعمار الأوروبي على المغرب .
وعلى مرّ السنين هاجر إلى هذه المنطقة عدد من الأجناس البشرية المختلفة نذكر منهم الزنوج الأفارقة من الجنوب والأوروبيين من الشمال كما هاجر إليها بعض القبائل من اليمن وفلسطين وجاء إليها آخرون مع الفتوحات الإسلامية...
وان كانت هذه القبائل قلة بالنسبة إلى القبائل الأصلية إلا أنّ تعايش هذه القبائل جميعا مع بعضها البعض شكل السمة الأساسية للإنسان الصحراوي خاصة، والإنسان المغربي عامة.
ب ـ بداية الوجود الاستعماري في المنطقة: كان ضعف الدولة الأموية وسقوط الخلافة الاسلامية في الأندلس بعد حكم استمر سبعة قرون وتفكك أقاليم المغرب الى دويلات تتقاتل فيما بينها من العوامل الرئيسية التي شجعت أوروبا على بدئ حملتها الصليبية على المغرب وانطلاق الاستعمار الأوروبي..
فبنهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر قامت الدول الأوروبية بمحاولات استكشافية استهدفت مناطق عديدة في العالم وخاصة في افريقيا بحثا عن مصادر للمواد الأولية وأسواق لترويج بضاعتها سرعان ما تحولت هذه المحاولات الاستكشافية الى اطماع استعمارية ادت الى استخدام القوة العسكرية في الاستيلاء على المناطق ذات الأهمية الحيوية ونهب ثرواتها الطبيعية وكان من نتائج هذه الحملات ظهور مستعمرات جديدة على امتداد المحيط الطلسي حيث تسابقت الدول الاستعمارية على تقاسم مناطق النفوذ في شمال وشمال غرب افريقيا .
وقد كان الاستعمار البرتغالي أول من وصل سواحل الصحراء المغربية وبدأ يتوغل في الجنوب حتى وصل الى عمق الصحراء عام 1436 واطلقوا على اقليم الصحراء المغربية اسم " واد الدهب " وأقاموا بها عدة مراكز متناثرة اتخذوا منها نقاط من أجل تجارة الرقيق . شارك الاسبان البرتغاليين في انشاء بعض المراكز الساحلية ..
فقد قامت اسبانيا وتحديدا عام 1476م بإنشاء برج في مصبّ وادي " الشبكة " وفي العام 1462م استرجعه المغاربة ثم أعاد الأسبان احتلاله في العام 1496م فاسترجعه المغاربة في العام 1517م وفي السنة نفسها استرجعه الأسبان أيضا ولم يتمكن المغاربة من استرجاعه إلا بعد مرور عشر سنوات أي في العام 1527م...
وفي أثناء المفاوضات المغربية الأسبانية عام 1766م طلب الملك الأسباني كارلوس الثالث من المغرب الموافقة على إعادة إعمار البرج...
وستنتظر أسبانيا 93 سنة لتعود إلى المكان الذي كان يوجد فيه البرج لتنشئ مركزا للصيد وذلك بعد أن أعلنت الحرب على المغرب في العام 1859م وهزمت جيش المغرب في عهد السلطان محمد عبد الرحمن، وفرضت عليه صلحا يقضي بأن يسلم إلى أسبانيا قطعة الأرض التي كان بها البرج...
وخلال هذه الفترة كان الوجود الاستعماري في المنطقة محدودا إذ اقتصر على إنشاء بعض الموانئ الصغيرة على الساحل الصحراوي بالأساس لتجارة العبيد.
ج ـ مؤتمر " برلين " وتكريس الحماية الاسبانية ـ الفرنسية على المغرب: لم يتجدد الاهتمام الفعلي بالصحراء المغربية إلا مع القرن التاسع عشر خلال صراع الدول الأوروبية الاستعمارية حول أفريقيا.
و يمكن اعتبار أن مشكلة الصحراء المغربية بدأت سنة 1884م عندما اجتمعت الدول الاستعمارية في برلين وقررت تقاسم أراضي القارة الأفريقية التي اعتبروها "أراضي خلاء" لا مالك لها ..
وقد نتج عن هذا التقسيم حدود رسمت بـ " المسطرة" بعيدا عن أي منطق جغرافي أو تاريخي أو عرقي مما قاد هذه القارة إلى التخبط والوقوع في مشاكل خطيرة في مجال السيادة قي القرن الماضي وحتى اليوم.
وهكذا أقرت الدول الإمبريالية الأوروبية في مؤتمر برلين سيادة أسبانيا على منطقة الصحراء المغربية فقامت هذه الأخيرة بتنفيذ ما جاء في مؤتمر برلين حيث أوفدت في 3/11/1884م إلى مدينة الداخلة الأسبانيRonelli وأنشأ كوخا من خشب جعله مركزا للتجارة باسم " الشركة الأفريقية للتجار " كما أصدر مجلس الوزراء الأسباني في نفس السنة قرارا ينص على أن يصبح واد الدهب و سانتاس تحت الحماية الأسبانية وفي 26/12/1884م أعلنت أسبانيا أمام الملأ نزولها في منطقة الداخلة وبسط حمايتها عليها دون أن يكون للمغرب علما بذلك...
وكان ذلك بمثابة الشرارة التي فجرت التحرك الجماهيري ضد الاحتلال الأسباني، فاندفعت هذه الجماهير لمهاجمة مدينة الداخلة ومهاجمة مركز الشركة التجاري إذ تمكنوا من طرد الأسبان من المركز في 9 /3/1885، فأرسلت أسبانيا كتيبة عسكرية يوم 8/6/ 1886 ومنذ ذلك اليوم ولغاية العام 1894م ظل المركز يتعرض لهجمات المغاربة في محاولة لتحريره وتخليصه من سطوة أسبانيا.
وفي يوم 13/3/1895م أبرمت المغرب وبريطانيا في مراكش معاهدة استرجع بمقتضاها المغرب منطقة مغربية كان الإنجليزي Mackenzie قد أنشأها في طرفاية.في العام 1879م مدعيا أنها "أرض خلاء" .
وفي يوم 20/7/1900م أبرم بمدينة مراكش بروتوكول تفاهم مغربي أسباني ينص على أن يعهد إلى لجنة مشتركة بالبحث عن مكان يقام فيه مركز للصيد البحري المتفق عليه في معاهدة تطوان بتاريخ 26/4/1660م على أن يكون في الشواطئ المغربية الممتدة من رأس جوبي في طرفاية حتى رأس بوجادور بالساقية الحمراء.
وفي هذا الوقت كانت أسبانيا تفاوض فرنسا من أجل اقتسام الأرض المغربية برمتها، ووقّع الطرفان في يوم 27/6/1900م بباريس معاهدة جزئية خاصة بالصحراء تأخذ بمقتضاها أسبانيا وادي الدهب مع الرأس الأبيض في الجنوب إلى رأس بوجدور في الشمال.
وفي 11/11/1902م تم الاتفاق بين فرنسا وأسبانيا على اقتسام باقي الأراضي المغربية على أن يكون لأسبانيا منطقتان محميتان، واحدة بالشمال المغربي والأخرى بجنوبه تمتد من رأس " أغير " قرب أغادير إلى رأس بوجدور بالساقية الحمراء إلا أن البرلمان الأسباني رفض الموافقة على هذه الاتفاقية. وفي يوم 8 /10/1904م وقعت فرنسا وأسبانيا معاهدة سرية لاقتسام المغرب يكون لأسبانيا بمقتضاها منطقة الشمال المغربي ( جبال الريف وشاطئ الأبيض المتوسط ) ومنطقة جنوبية ( من رأس بو جادور جنوبا إلى ضواحي اغادير شمالا )...
لكن لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقية إلا بعد معاهدة مدريد التي وقعت بتاريخ 27/11/1912م. في يوم 7/4/1906 وضعت المعاهدة التي تمخضت عن مؤتمر الجزيرة الخضراء المغرب تحت الحماية الدولية.
وفي يوم 30 /3/1912م تمّ التوقيع على اتفاقية في فاس يصبح المغرب بمقتضاها تحت الحماية الفرنسية الخالصة، ويصبح المقيم العام الفرنسي هو الذي يمارس السلطة الحقيقية. وفي يوم 27/11/1912م تمّ التوقيع على اتفاقية بمدريد تم بمقتضاها مقايضة بين فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا تنازلت فيها فرنسا لبريطانيا وايطاليا وألمانيا على حقها في احتلال طرابلس ومصر والكونغو على أن تتنازل هذه الدول لفرنسا عن حقها في احتلال الشمال الإفريقي.
وبعد أن فرضت الحماية على المغرب في 30/3/1912م نفذ الاتفاق الفرنسي الأسباني القاضي بتقسيم المغرب بينهما. فسيطرت أسبانيا عام 1912م على طرفاية، وفي العام 1920م أقامت مستعمرتها الثالثة في المنطقة الواقعة أقصى الجنوب والمسماة (الكويرة). وقي العام 1934م تم توقيع اتفاقية بين فرنسا وأسبانيا نصت على أن تكون الصحراء تحت النفوذ الأسباني وأطلق عليها اسم " الصحراء الأسبانية ".
د ـ مقاومة المغاربة للاحتلال :
عسكريا ودبلوماسيا:
لم تتوقف مقاومة المغاربة للاحتلال الفرنسي والأسباني منذ أن وطأت أقدامهم أراضي المغرب شمالا وجنوبا... وقد اتخذت هذه المقاومة أشكالا مختلفة... حيث كانت أول حركة منظمة جادّة للنضال المسلح بقيادة الفقيه الديني الشيخ ماء العينين الذي ينتمي إلى قبيلة ادرار المغربية الصنهاجية الأمازيغية...
فكان الشيخ ماء العينين أول من أسس مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الأجنبي تحت شعار " الجهاد الإسلامي " وكان يرى ضرورة الاستعانة بالسلطة المركزية فأعلن بيعته للسلطان عام 1894م وحصل على تفويض من السلطان بقيادة القبائل في محاربة المحتل ودعا إلى تحالف قبلي في مدينة السامرة من أجل المقاومة وفي خريف 1905م التقى في السامرة (السمارة) كل القبائل بحضور بعثة رسمية تمثل السلطان في فاس وتعاهد الجميع على المقاومة...
انطلقت المقاومة المسلحة التي حققت انتصارات متتالية ابتداءا من 1908م واستطاع الشيخ ماء العينين أن يحكم قبضته على الساقية الحمراء وواد الدهب ثم بدأ يزحف شمالا نحو تادلا لمواجهة قوات الجنرال الفرنسي (مواني) عام 1910م في اكبر معركة يواجهها الاحتلال الفرنسي منذ دخوله المنطقة إذ انتهت بهزيمة الشيخ ماء العينين. بعد وفاة الشيخ ماء العينين عقب هزيمته أمام الفرنسيين، أخذ ابنه احمد الهيبة بإعادة تنظيم المقاومة وزحف مرة ثانية نحو مراكش وتمركز في مدينة بن غرير ولكنه تراجع أمام القوات الفرنسية الهائلة...
وفي تلك الأثناء استمر التوغل الفرنسي والأسباني شمالا وجنوبا. وهنا لابد من الإشارة إلى أن أسبانيا لم تكن قادرة على السيطرة على كل المناطق الصحراوية التي منحت لها، بل اكتفت في البداية بالتحصن داخل مراكز معزولة على الشواطئ في مناطق طرفاية والداخلة والكويرة، وبذلك تركت العمق الصحراوي لسيادة القبائل، الأمر الذي شكل متنفسا لحركة المقاومة ضدّ التقدم الفرنسي في المغرب والجزائر وموريتانيا..
فلم يكن يهم الاحتلال الأسباني وقتها سوى الثروات البحرية. وخلال النصف الثاني من القرن الماضي شارك الآلاف من الصحراويين في حرب تحرير المغرب خاصة في إطار جيش التحرير الوطني / جناح الجنوب من اجل الحصول على الاستقلال الذي أعلن يوم 3 مارس 1956م. وهنا لابد من التذكير بان المغرب بعد نيله الاستقلال استمر في المطالبة بمغربية الصحراء...
فقد طالب الملك محمد الخامس مباشرة بعد نيل الاستقلال بالحقوق التاريخية للمغرب و بإعادة الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الأسباني إلى سيادة المغرب. كما أن الأحزاب المغربية طالبت هي الأخرى باسترجاع الصحراء المغربية...
فقد أعلن حزب الاستقلال أن مهمة تحرير البلد لم تنته بعد ولن تنتهي إلا بعد تحرير كل الأراضي التاريخية للإمبراطورية العلوية. وفي 7 ابريل 1956م وقعت أسبانيا معاهدة مع السلطان محمد الخامس تنهي الحماية الأسبانية عن منطقة سيدي افني وطرفاية. وهكذا ابتداء من الخمسينيات وتحت الضغط الدولي المكثف بدأت أسبانيا تتنازل عن الأراضي التي تحتلها للمغرب على النحو التالي:
1956م ـ تخلت عن منطقة الشمال ( تطوان والناظور) 1958م
ـ تخلت عن منطقة (طان طان وطرفاية) 1969م
ـ تخلت عن منطقة ( سيدي افني) وفي العام 1958م
تم القضاء نهائيا على جيش التحرير الوطني / الجناح الجنوبي الذي كان يزعج الأسبان خاصة في ضواحي طرفاية اثر معركة شرسة شنتها القوات الأسبانية والفرنسية المتحالفة حيث أطلق عليها اسم " عملية ايكونين" وقد أدت هذه العملية إلى إحداث هجرات جماعية للسكان الصحراويين نحو الشمال.
وفي العام 1963م وبطلب من المغرب، سجلت اللجنة الخاصة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة طلبا بإدراج ما يسمى بـ "الصحراء الأسبانية" في لائحة المناطق التي يجب إنهاء الاحتلال فيها...
وفي 16 أكتوبر 1964م تصاعدت قضية الصحراء المغربية على اثر قرار لجنة تصفية الاستعمار بمنح الاستقلال للشعوب المستعمرة فقدمت المغرب الحجج والأدلة القانونية التي تثبت حقّها في الإقليم وانه جزء لا يتجزأ من التراب المغربي. وخلال سنوات الستينيات بدأت منطقة الصحراء المغربية تشهد تحولا سسيولوجيا اقتصاديا عميقا...
فقد أدى اكتشاف الفوسفات في منطقة بوكراع إلى إحداث تغيرات عميقة في المجتمع الصحراوي...
كما أصبح هذا الإقليم يكتسي أهمية اقتصادية كبيرة خاصة بعد أن استثمر رجال الأعمال الأسبان مبالغ طائلة في إنتاج الفوسفات. وقد أدت هذه التغيرات السوسيو اقتصادية إلى تمدن سريع للمجتمع الصحراوي إذ عمل اغلب السكان على هجرة حياة الترحال الصعبة واستقر في المدن الرئيسية فصار العديد منهم عمال مستأجرين في الوقت الذي تحول فيه آخرون إلى تجار كما اتجه بعض الرعاة الرحل إلى العمل في الزراعة، وتقدر الإحصائيات انه في العام 1974م كان حوالي 55% من الصحراويين المسجلين يعيشون في المدن الثلاث الرئيسية : (الداخلة، العيون والسمارة) من مجموع 73497 صحراوي مسجل .
وكما اشرنا إليه سابقا، فان اكتشاف الفوسفات جعل الإقليم الصحراوي يكتسي أهمية اقتصادية كبرى مما جعل أسبانيا تتمسك بتواجدها في الإقليم وترفض التخلي عنه...
وهنا لابدّ من التنويه إلى أن الاحتلال الأسباني منذ الستينيات عمل على إتباع استراتيجية مختلفة في الصحراء المغربية ، فمن جهة كان قسم من حكومة الجنرال فرانكو الذي يتزعمه غريرو بلانكو يريد الحفاظ على وجود استعماري مباشر مطلق في الصحراء المغربية، وكان مؤمنا بولاء الساكنة المحليين لأسبانيا بسبب التحديث الذي أدخلته إلى المنطقة، بينما ارتأى قسم آخر من النظام وهو الذي كان الأقوى داخل الجيش أن يطلق مسلسلا لإزالة الاستعمار متحكما فيه عبر قوة موالية لأسبانيا يمكنها حماية الثروات الطبيعية في المنطقة وخاصة مناجم الفوسفات ومياه الصيد الغنية...
والتقت كلتا الاستراتيجيتين حول ضرورة خلق هوية صحراوية مستقلة من اجل تخطي الحركة الموالية للمغرب. وإدراكا من الاحتلال الأسباني بأنه مقبل على صراع عنيف بخصوص وجوده في الإقليم، فقد شرع هذا الاحتلال بتوسيع مدينة العيون وتهجير الأسبان إليها كما انشأ فيها مراكز للتبشير المسيحي...
وحتى العام 1967م كانت أسبانيا قد هيأت كل شيء لتثبيت وجودها الاستعماري إذ أقامت قواعد عسكرية لها في كلّ من مدينة العيون والسمارة والداخلة، كما عمدت إلى تكوين حزب صحراوي معتدل موال لها أطلق عليه اسم " حزب الوحدة الوطني الصحراوي " الذي تألف من بعض رؤساء القبائل، وقدمت لهم الدعم هادفة من وراء ذلك إيجاد قوة سياسية محلية تواجه بها المطالب المغربية التاريخية.
كما بدأ الاستعمار الأسباني يستقطب شيوخ القبائل الصحراوية ويجعل منهم أدوات طيّعة للسيطرة مقابل امتيازات مادية وسياسية واعتمدهم الاستعمار الأسباني وسيلة للمناورات الاستعمارية الرامية إلى إجهاض الوعي التحرري وسد الباب في وجه العواصف التي تهدد المصالح الاستغلالية الأجنبية المعدنية والتجارية والعسكرية. أمام هذه المحاولات الاحتلالية التي كانت أسبانيا تحيكها من اجل تعطيل استقلال الإقليم والقضاء على الوصاية الإمبريالية تم تأسيس " الحزب المسلم " في شهر ديسمبر 1966م...
وقد اعتمد هذا الحزب في البداية على أفكار خطري ولد الجماني المعادية للوجود الاستعماري ثم قوي بأفكار البصري محمد. وتكوّن الحزب بسرية تامة في مدينة السمارة معتمدا في البداية على الأقرباء والأصدقاء المخلصين حيث انتمى إليه السكان من كافة المجتمع الصحراوي (عمالا، وجنودا، وأصحاب مهن حرة). وقد حدد الحزب مبادئه الأساسية في: ـ تحرير الصحراء من الوجود الاستعماري الأسباني.
ـ الانضمام إلى المملكة المغربية.
ـ طريق التحرير هي الحرب المسلحة.
كما عمل المغرب على خلق فرقة من رجال حرب العصابات تدعى " جبهة التحرير والوحدة " التي بدأت تشن هجمات على القوات المحتلة الأسبانية ابتدءا من 1975م وكذلك مضايقة مراكب الصيد الأسبانية...
مستغلا بذلك الظروف المعقدة التي كان يعيشها النظام الديكتاتوري لفرانكو في أسبانيا حيث اجتاحت أسبانيا موجة ثورية عارمة مهددة بقلب نظام حكم الديكتاتوري لفرانكو كما أن الطبقة الحاكمة في أسبانيا كانت مذعورة مما يجري في الصحراء المغربية إذ كانت تخشى أن تؤثر حرب العصابات التي تواجهها القوات الأسبانية في الصحراء على الأوضاع الداخلية...
فقررت الهروب إلى الأمام بالإعلان عن إجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية عام 1975م. أدت الضغوط التي مارسها المغرب على أسبانيا وضعف هذا الأخير عن مقاومة هذه الضغوط إلى انهيار " حزب الوحدة الوطني الصحراوي " الموالي لأسبانيا ومعه انهارت أيضا استراتيجية أسبانيا في تطبيق حكم محلي مسيطر عليه.
في ديسمبر 1974م وبناءً على طلب تقدم به المغرب، طالبت الأمم المتحدة رأي محكمة العدل الدولية حول سؤالين: ـ هل كانت الصحراء أرضا لا مالك لها قبل الاستعمار الأسباني؟ ـ ما هي طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين الصحراء والمغرب وموريتانيا قبل الأسبان؟ وفي أكتوبر 1975م أعلنت محكمة العدل الدولية رأيها فيما عرض عليها وانتهت إلى أن الصحراء لم تكن أرضا غير مملوكة وقت الاحتلال الأسباني واعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقات ولاء (البيعة) بين زعماء بعض القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب وموريتانيا...
واستند المغرب على رأي المحكمة الدولية وأعلن الملك الحسن الثاني تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مواطن ساروا إلى منطقة الصحراء.
لم يكن أمام النظام الأسباني من خيار سوى الدخول في مفاوضات مع المغرب وموريتانيا لإنهاء الوجود الاستعماري الأسباني في الصحراء المغربية. وفي21 نوفمبر 1975م تم التوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وأسبانيا وموريتانيا يتم بموجبها إنهاء الوجود الأسباني في موعد أقصاه 28 فبراير 1976م مع وضع الإقليم حتى ذلك التاريخ تحت إدارة ثلاثية أسبانية مغربية وموريتانية.
لم ينه الاتفاق الثلاثي المغربي الموريتاني الأسباني مشكلة الصحراء المغربية، بل على العكس من ذلك فقد زاد من تفجير هذه المشكلة حيث عملت البوليساريو على تصعيد عملياتها العسكرية ضد الأسبان ردا على اتفاقية مدريد كما استولت على عدد من المواقع الصغيرة في المنطقة قبل وصول القوات المغربية والموريتانية غير أنها في النهاية اضطرت إلى الانسحاب والذهاب إلى مخيمات تندوف.

 المصدر / تمارة سيتي



Share on Google Plus

About fg

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.

0 Comments:

إرسال تعليق

السلام عليكم