Recent Post

الصحراء المفهوم والمجال

الصحراء لغة كما جاء في قاموس المحيط: «هي الأرض المستوية في لين وغلظ دون الفقر أو الفضاء الواسع لا نبات فيه (..) جمعه «صحاري وصحراوات»؛ وفي الموسوعة الميسرة فـ»الصحراء منطقة جرداء تغطي الرمال الجانب الأكبر فيها(..) وتقوم بها حياة نباتية وحيوانية جد قليلة»، ويطلق عليها بالأمازيغية لفظ «تينيري»؛.ومجالا فالصحراء المغربية هي مجموع الأراضي الممتدة من وادي نون إلى الكويرة/الحدود المغربية الموريتانية وهي جزء من الصحراء الكبرى الممتدة من وادي نون إلى نهر السنغال جنوبا ومن المحيط الأطلنطي إلى النيل شرقا.

الآمازيغ سكان الصحراء القدماء

 تؤكد الدراسات الأنتروبولوجية والأركيولوجية على أن الصحراء من أقدم مناطق شمال إفريقيا تسكانا، وصنف سكانها القدماء ضمن إنسان «نيوندرتال»nèandertal  والذي اعتبره الباحثون جد الأمازيغ سكان شمال إفريقيا الحالية «تامازغا»، وقد تمكن هذا الإنسان من اختراع ثقافة خاصة به سميت بالثقافة العطرية كما أبدع أبجديته المعروفة ب»تيفيناغ»، وتشهد على ذلك المدافن الأمازيغية القديمةtamulus  التي اكتشفت على مصطبات الأودية بالصحراء والمعروفة محليا بـ«لجرام» مثل تلك الموجودة بجنوب مصب درعة ووادي الشبيكة، وتحدثت المصادر التاريخية القديمة وخاصة الإغريقية واللاثينية عن الصحراء وسكانها الأمازيغ القدماء، انطلاقا من الرحلات الاستكشافية، والحملات العسكرية، حيث ذكرت وصول البحار والرحالة الفينيقي القرطاجي «حانون» إلى منطقة «cernè» بضفاف الصحراء جنوب جزر كناريا. وبهذه المنطقة كانت مراكب الفينيقيين تفرغ حمولتها من البضائع بواسطة سفن صغيرة، وكانت المدينة كبيرة تصل إليها السفن ويسكنها قوم من الحبشيين الدراتيت lesdoratites ) 2  )

ورغم قلة الشارات التاريخية التي وصلتنا عن الصحراء في الفترات القديمة والمغلفة بالأساطير، فإنها تكاد تتفق على أن الصحراء كانت مأهولة بالسكان الأمازيغ.
أما المصادر العربية في العصور الوسطى فتحدثت عن استقرار قبائل صنهاجة بالصحراء والتي تعود حسب النسابين القدماء في أصلها إلى البرانس أحد الأقسام الكبرى للأما زيغ(***)، وتعرف الفروع الصحراوية من صنهاجة، بصنهاجة الصحراء أو صنهاجة الرمال أو كذالك بالملثمين نسبة إلى اللثام الذي كانوا يلزمونه، وتتكون من عدد كبير من القبائل يقارب السبعين، أشهرها: كدالة، لمتونه، مسوفة، لمطة، جزولة، تاركة...وقد كانت هذه القبائل الصنهاجية تشرف على شبكة مهمة من الطرق التجارية الرابطة بين مناجم الذهب وأسوق جنوب الصحراء الكبرى وبين مدن وأسواق البحر الأبيض المتوسط عبر الطريقين التجاريين الساحلي من «اوليل» إلى  «نول لمطة» ف»اكوز». والداخلي من «يوالاتن» عبر «اوداغوست» ثم «تغازي» ف»سجاماسة» .كما تتحكم هذه القبائل في مناجم الملح مثل منجم «تغازي» و»اوليل» خاصة وأن الملح في العصور الوسطى كان يشكل مادة حيوية في المبادلات التجارية، وقد أفاد هذا الموقع إلهام ثلاثة قبائل أساسية هي :كدالة، مسوفة، لمتونة، في فرض رآستها على بقية الفروع الصنهاجية، وبعد صراع طويل بين هذه القبائل الصنهاجية الثلاثة حول الزعامة، تكون اتحاد قبلي صنهاجي بقيادة كدالة ساهم في نشوء دولة المرابطين مع بداية القرن الخامس الهجري، والتي قامت على أساس دعوة دينية إصلاحية بعد أن استقدم يحيى بن إبراهيم الكدالي لعبد الله بن ياسين الجز ولي (من قرية تامانارت) من عند شيخه وكآك بن زلو اللمطي نحو الصحراء. وفي هذه الفترة كانت علاقات إمارات المغرب الشمالي بالصحراء حسنة من الناحية التجارية وخاصة إمارة سجل ماسة وإمارة فاس، هذه الأخيرة التي استطاعت بناء مركز مهم «تامدولت» على ضفاف وادي درعة كبوابة للصحراء. وبعد قيام دولة المرابطين، وبناء عاصمتهم مراكش ثم عودة أبو بكر بن عمر اللمتوني إلى الصحراء وترك زمام السلطة لابن عمه القائد يوسف بن تاشفين، فإن العلاقة بين أمراء مراكش وأبناء عمومتهم بالصحراء مستمرة.
وفي بداية العهد الموحدي، أعلنت قبائل «لمطة» استقلالها تحت حكم سلطانها «اهو كار» حوالي سنة1154م بوادي نون ونواحيه،
وقد ورد في أخبار المهدي بن تومرت رسالة إلى القبائل الأمازيغية الصحراوية المتمردة يهددهم قائلا: «...ويل لأهل سوس وجيرانهم جزولة لكست ولمطة وأهل القبلة» ، وبعد صراع مرير تمكن عبدالمؤمن بن علي الكومي من القضاء على هذا التمرد، وفي آخر العهد الموحدي تمرد علي بن يدر الهنتاتي «وهو من أقرباء محمد بن يونس أحد وزراء البلاط الموحدي بسوس، لكن سكان سوس ثاروا عليه فاستنجد بعرب «بني معقل» الذين وصلوا إلى مشارف وادي نون سنة 1218م، بعد مجيئهم من مصر في موكب قبائل «بني هلال» و «بني سليم» التي أرسلها سلطان مصر للانتقام في إمارات شمال إفريقيا. يقول ابن خلدون في كتابه العبر: «استصرخهم علي بن يدر الزكندري صاحب السوس بعد الموحدين  وكانت بينه
وبين كزولة الظواعن ببسائط السوس وجباله فتنة طويلة، استصرخ لها بني مختار هؤلاء فصارخوه وارتحلوا إليه بظعونهم وحدوا مواطن السوس لعدم المزاحم من الظواعن فيها فاوطنوها وصارت مجالاتهم بقفرها وغلبوا كزولة واصاروهم في جملتهم ومن ظعونهم وغلبوا على القصور التي بتلك المواطن في سوس ونول».
وتجدر الإشارة، إلى أن أكبر حدث عرفته الضفة الشمالية للصحراء الأطلسية في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، «هو ما نعتبره أكبر صدمة بشرية حيث شكل مجيء بني
معقل السبب الرئيسي في تغيير الخصائص القومية الأمازيغية»(8). ومع الدولة المرينية، أصبح الباب مفتوحا أمام القبائل العربية العقلية للوصول إلى الصحراء، بتشجيع من المخزن المريني للقضاء على ثورات القبائل الأمازيغية وتمردها، فدخلت في صراعات حول المجال. يقول المختارالسوسي: «فاتفق أن كان عرب من معقل(..) يقطعون السبيل بين فاس ومراكش فهم السلطان(أبي الحسن المشهور بالسلطان الأكحل) بالإيقاع بهم، فأجفلوا بين يديه إلى الصحراء من حوز سوس فتقفى السلطان آثارهم، وتوغل في الصحراء، فالتقى الشيخ احمد الركيبي وقد نزل هناك وشيكا(..) فتداول مع السلطان في أمر غرمائه ليبقي عليهم فيعمروا معه تلك الأرض ضد البربر(الأمازيغ) الذين كانوا متأصلين فيها، فدفع للسلطان مالا كثيرا (..) فرجع السلطان»(9). و»بديهي أن ينتج عن كل هذا تفتت تدريجي للبطون اللمطية والجزولية، وكذا لفروع العقليين أنفسهم، أصبح الكل مطالبا بالاندماج في وحدات اجتماعية من نوع جديد، بدأت إذن الأسماء القديمة في الاندثار لتحل محلها تشكيلات أعرابية أمازيغية تختلف باختلاف أهميتها، وهي تشكيلات اجتماعية سياسية مجردة من الجانب الديني، وقد جاء هذا الفصل في المهام كتجسيد لتسيد الأعراب على المنطقة. من جهة أخرى نشير إلى أن الحملات المرينية على منطقة سوس الأقصى قد توالت لحمل الأعراب وباقي السكان على دفع الضرائب. وقد كان جلها موجها ضد القصور والمداشر التي ما تزال أنقاضها تشهد على أهمية الخسائر (...) وقد جاء وباء الطاعون ليتلف ما تركه سوء الحال والبؤس الجماعي «(10). هذه الوضعية سمحت بازدياد
نفوذ الزوايا والشخصيات الصوفية، «فحينما طل على الناس عصر الزوايا ، انقطعت الأواصر التي تربط الجزوليين بأصولهم الجزولية، وهبت ريح الانتساب إلى الشخصيات اللامعة في المغرب والمشرق والأندلس بدل الانتماء إلى جزولة فرارا من وصمة الضعف والهوان، وبذلك لم يعد لها ذكر إلا في أسماء المواقع الجغرافية والتكتلات القبلية» ، واستمرت الاضطرابات بالصحراء إلى نهاية العهد الوطاسي، وخلال هذه الفترة سينضاف عنصر آخر إلى العنصرين العربي والأمازيغي ويتمثل في الغزو المسيحي الإيبيري للشواطئ الجنوبية المغربية، فأصبحت منطقة الصحراء تتعامل تجاريا وسياسيا مع البرتغال والأسبان حيت ذكرت الباحثةJ.D.MEUNHE  توقيع معاهدة بين ممثل التاج الاسباني بجزر كناريا ومملكة مستقلة بوادي نون بمدينة «تكاوست» بتاريخ15فبراير1455م ، فابتداء من القرن السادس عشر(الميلادي) تغير كل شيء فلم تعد لهذه القبائل(الأمازيغية) نفس الأسماء بل اتخذت لنفسها أسماء أولياء. حيث «وجد الأشراف خير ترحيب من جانب القبائل البربرية (الأمازيغية) العربية في أقصى الجنوب الغربي المراكشي من ساقية الحمراء، وما من هذه القبائل خلا من الأسر الصوفية أو الشريفة التي كانت تستبقيهم بين ظهرانيها وتعطيهم الأرض والمنافع العديدة وتجعل منهم شيوخا روحيين وحماة صوفيين، وهكذا نشأت نبالة دينية في القبيلة وجرى تنظيم اجتماعي جديد وطبقة جديدة»





Share on Google Plus

About fg

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.

0 Comments:

إرسال تعليق

السلام عليكم